التشکيلُ الصوتيُّ وإنتاجُ الدَّلالةفي شعر المعتمد بن عبَّاد

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الاستاذ المساعد بقسم اللغة العؤبية -کلية التربية -جامعه المنصورة

المستخلص

تجيش عاطفة الشاعر فيتخذ لها صياغة وتراکيب وأصواتًا تصور إحساساته ، وتجسد معانيه ، وتتجاوب مع ما تضطرب به نفسه من تموجات فکرية ونفسية ، متفننًا في توظيف اللغة بنبرات حروفها وإيقاع کلماتها ، مستغلاً الطاقات الصوتية التي تختزنها للتعبير عن الفکر والإحساس معًا .والشعراء يختلفون فيما بينهم ، فمنهم من يعبر عن مشاعره بالألفاظ والأصوات ، ومنهم من يلجأ إلى الترکيب ، أو الإيحاء ؛ مع عدم إغفال جانب الإلقاء ((فالصوت يتشکل تبعًا للمحتوى الذهني والشعوري للقصيدة ، فتنوعات الصوت تؤثر على السرعة والترکيز ، وخاصة على العلو ، فالتنغيم ، أي الخط البياني الذي يحدثه الصوت يتنوع في الحقيقة بطريقة ملحوظة تبعًا لمعنى المقال))( ) .
ولا نمتري في أن لکل تجربة شعرية طريقتها الخاصة في نبر الکلمات ، وفي الضغط على إيقاع أصوات معينة ؛ ليجسد من خلالها الشاعر واقعه النفسي ، وما يعتمل في وجدانه ، ويختلج في أحاسيسه ، الأمر الذي يؤکد (( أن الحوافز تقرُّ في کثير من الأحيان نوعًا من الموازاة ما بين السمات الأسلوبية وعناصر المضمون )) ( ) .
ولا مشاحة في أن الصورة الموسيقية لبنية القصيدة تعدُّ من أهم جوانب التجربة الشعرية فيها (( إذ تنساب أنغامها في وجدان الشاعر ألحانًا ذات دلالة ، وتصقل موهبته النغمية ، وتوقظ لديه التلوين الإيقاعي الذي يستخدمه ، وتخلق فيه الإحساس بجرس الکلمة ونبر اللفظ ، وتطبع أذنه بطابع الانتقاء والاختيار )) ( ) ، حيث تمثل الأنغام جزءًا مهمًّا من التجربة الجمالية للقصيدة ، وإطارًا للانفعال فيها ، فتلتقي في النفس دلالتا المعنى والموسيقى في وحـدة متـناغمة متجـانسة ((فيصبح الشعر بالإضافة إلى عنصر التنسيق الصوتي المجرد الذي تکفله التفعيلة العروضية ، مشتملاً على خاصية موسيقية جوهرية ، وهي ذلک الإيقاع الناشئ عن تساوق الحرکات والسکنات مع الحالة الشعورية لدى الشاعر . ولم تعد موسيقى الشعر بذلک مجرد أصوات رنـَّانة تروع الأذن ؛ بل أصبحت توقيعات نفسية تنفذ إلى صميم المتلقي ، لتهز أعماقه فـي هدوء ورفـق ))( )، وهنا تکمن القيمة الحقيقية للإيقاع في ذلک الانسجام بين الجرس الموسيقي والعلاقات اللغوية التي يوجدها الشاعر بين مفرداته ، فتتوافق بذلک الکلمة مع الدلالة . ولا ريب ((أنَّ التشکيل الصوتي يمثل أهم أسس هذه العلاقات الترکيبية في تشکيل الشعر ، فهو عماد الموسيقى الشعرية ومفسرها ، وهو الذي يتجاوز بها المقررات العروضية )) ( ) .
ومما يجب التأکيد عليه في هذا المقام أنَّ ثمة علاقة وطيدة وراسخة بين الإحساسات والمشاعر ، والإيقاع الذاتي للفظة الواحدة ، والألفاظ المتجاورة المتعانقة ؛ إذ ينساب الإيقاع الداخلي في اللفظة ، فيعطي إشراقة ووقدة ، تومئ إلى المشاعر ، فتجلَّيها ، وتحسن التعبير عن أدق خلجات النفس وأخفاها ، ولا عجب (( فالإيقاع انتظام موسيقي جميل ، ووحدة صوتية تؤلف نسيجًا مُبتدعًا ، يهبه الشاعر ؛ ليبعث فينا تجاوبًا متماوجًا ، هو صدى مباشر لانفعال الشاعر بتجربته في صيغة فذة ، تضعک أمام الإحساس في تشعب موجاته الصوتية في شعاب النفس ، وهو حرکة شعرية تمتد بامتداد الخيال والعاطفة ، فتعلو وتنخفض ، وتعنف وتلين ، وتشتد وترق ، وتحلق في قوة الرعد وهديره ، وزمزمة الإعصار وباسه . . وهو موجة صوتية داخلة في صميم البناء الإيقاعي للشعر ، يسير سير الشاعر ، وتردد صدى أنفاسه ، وتلون رؤيته بجمال أصدائها ، فترسم من خلال نغمها أجمل لوحة شعرية )) ( )

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية