علاقات أمن المياه وجودة الحياة في دول حوض نهر النيل

أمن المياه، وجودة الحياة مطلبان يشترک فيهما جميع البشر، الأول يتيح لهم البقاء، والثاني يحقق لهم الارتقاء. ومن البدهيات أن تأمين الحصول على المياه باعتبارها مدخل حياتي، وکذلک تأکيد التيقن من توافر تدفقاتها، يعد واحدًا من الضمانات الرئيسية للأمن البشري
    ونهر النيل أطول أنهار الأرض، وتشارک في أراضي حوضه إحدى عشرة دولة أفريقية، وينطبق على حوض نهر النيل ودوله ما يميز أحواض الأنهار من علاقات مکانية. فأحواض الأنهار نظمُ بيئية تتدفق فيها العلاقات الطبيعية بشکل دائم مع تدفق المياه من منابعها إلى مصباتها، وقد تتواکب علاقات البشر القاطنين والمنتفعين بحوض النهر في حرکتها مع التدفق الطبيعي للمياه، سواء في نفس الاتجاه أو في اتجاه من المصب إلى المنابع أو أي اتجاه آخر، وقد تتصادم علاقات البشر في حوض النهر فتتباطأ حرکتها أو تتعرقل أو تتوقف، ومن ثم يحدث خلل أوتأزم في تفاعل العلاقات الطبيعية والعلاقات البشرية داخل الحوض النهرى، فيتحول من تناغم لازم للاستدامة إلى تنافر لا يطيق القاطنون في الحوض تحمل تبعاته.
     ومورد الماء هو جوهر النظام الطبيعي في بيئة الحوض النهرى، وضمان تأمينه شرط لاستدامة النظام. وجودة حياة البشر طموح مشروع، شَرْطُ تحقُّقِه هو رُشد وحسن استثمار الموارد المتاحة للجميع بغير أنانية أو احتکار. وتساهم المياه فى توفير الأمن الغذائي والطاقة، فضلا عن حماية صحة الإنسان والبيئة وکل ما يدخل في مکونات جودة الحياة، لذلک احتلت قضية المياه مکان الصدارة في خطط التنمية المستدامة الجديدة.
   وإذا کانت جودة الحياة تقاس باعتبارات بشرية تتعلق بالأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنظيمية للمجتمعات کما تتعلق بالرفاهية والسعادة الشخصية للأفراد ورضاهم عن الحياة، فإن أمن المياه يقاس بحجم المورد المتاح وطبيعة تجدده وکفايته للمتطلبات الحالية والمستقبلية.
       ومع ارتفاع أعداد السکان بشکل مطرد وعدم تزايد الموارد المائية المتجددة، يصبح من الضروري الوقوف على طبيعة سحب واستهلاک المياه في مختلف دول العالم وما يرتبط بذلک من تأثيرات. وتقدر نسبة المياه المستخدمة في الزراعة عالميًا بحوالي 70% من المياه العذبة غير المنتجة من عمليات التحلية أو المعاد استخدامها. ووفقًا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة "فاو"، فإن نسبة استهلاک المياه للأغراض الزراعية والمنزلية في الدول النامية تفوق نسبتها للأغراض الصناعية.  ويحذر البنک الدولي من أن استمرار تأثير نقص المياه في العديد من المناطق سيؤدي لارتفاع أسعار الغذاء، بما قد يؤدي إلى اندلاع صراعات بين الدول بسبب نقص الموارد، لتبدو المياه عنصرًا حاسمًا ليس فقط للحياة، بل للاقتصاد وللسلام العالمي. وتشير الأمم المتحدة في أحد تقاريرها حول التنمية المستدامة إلى أهمية الوصول بالمياه المعاد استخدامها إلى حوالي 50-60% من المياه المستخدمة في المنازل والمصانع، وذلک في أغراض متعددة کالتنظيف وغسل الملابس وفي الصرف الصحي، بما يسمح بتحقيق وفرة في المياه المتجددة ويحسن من مستويات الصحة العامة والنشاط الاقتصادي.
     وتهدف الدراسة الحالية إلى فحص أحوال موارد المياه ومستويات جودة الحياة بدول حوض نهر النيل ومتابعة وتقويم العلاقات القائمة فيما بينهما والرؤية المستقبلية لتلک العلاقات. وتتبع الدراسة منهجاً بيئياً يرکز على العناصر المتلازمة في المکان للکشف عن علاقاتها وما يستفاد من تحليل تلک العلاقات. وتستعين الدراسة بالأسلوب الکمي في تحليل البيانات والمعلومات المستمدة من مصادر رسمية دولية ومن دراسات علمية سابقة. وبناءً على ذلک، تتضمن الدراسة العناصر التالية: الملامح العامة لحوض نهر النيل ودوله - مفاهيم الأمن المائي - واقع الأمن المائي في دول حوض النيل - مفاهيم جودة الحياة - واقع جودة الحياة في دول حوض النيل - علاقات الواقع واستراتيجيات المستقبل.