يُعدُّ موضوع "عهودُ النبيِّ ومواثيقُه" من الموضوعات التي تطرق إليها المستشرقون وتناولوها بالبحث والدراسة، وكان محورُ دراسة المستشرقين في هذا الصدد يتركز على مدى ما قدمتْه هذه العهودُ من آثارٍ حضاريةٍ للمجتمعاتِ الإنسانيةِ، ومدى ما حققتْه من مكاسبَ سياسيةٍ، فبينما كانت عهودُ النبيِّ ومواثيقُه نموذجًا يُحتذى به في تحقيق مبدأ التعايش السِّلميّ والتسامح الديني في مجتمعٍ متعددِ الاتجاهاتِ، وخطوةً دبلوماسيةً حكيمةً لحلِّ النزاعاتِ والخلافاتِ القديمة، كان للمستشرقين رأي آخر؛ حيث يرون أن هذه العهودَ كانت مجردَ مناوراتٍ سياسيةٍ وتكتيكاتٍ عسكريةٍ مؤقتةٍ سَرعان ما تنتهي بعد تحقيق غرضها، أو أن هدف النبي منها كان بسطَ سيطرتِه على مساحات كبيرة من أراضي الجزيرة العربية، وتوحيدَ جميع العرب ليكونوا تحت سلطته.
وقد تبين بعد دراسة كثير من نصوص المستشرقين حول هذا الموضوع، أن آراءهم تباينت في اتجاهين رئيسين: الاتجاه الأول: الانحراف التام عن المنهج العلمي السليم، وتعمد التشويه والتزييف، أما الاتجاه الثاني: فهو إظهار الإنصاف والموضوعية في بعض المواضع، وتحسس التحيز والميل في مواضعَ أخرى.
وقد تتبعَتِ الدراسةُ النصوصَ المتعلقة بعهود النبي ومواثيقه من خلال كتابات المستشرقين، وعُنِيَتْ بتحليل الآراء التي وردت في هذه الكتابات ونقدها، ومحاولة تفسيرها وبيان مدى صحتها أو خطئها، مع مقارنتها بما ورد في المصادر التاريخية المعتبرة بعيدًا عن التحامل أو التحيز أو الميل.